أتحدث هنا عن الأزهر كمؤسسة تعليمية وعلمية وليس كمؤسسة دينية (ان صح تعبير كهذا).

كطالب أزهري صرف (كل دراستي منذ الإبتدائي كانت في معاهد أزهرية) أشعر بما يعاني منه التعليم الأزهري من تدهور يوما بعد يوم. دائما مايشعر طلبة الأزهر بالإحساس بالظلم، فإذا كانت مدارس وزارة التربية والتعليم “خرابات” فالمعاهد الأزهرية بعامة أسوأ منها، هذا غير التجاهل التام لأي شيء يتعلق بالتعليم الأزهري؛ فمثلا الثانوية العامة التي يصفق ويهلل الجميع لها ويعقدوا الندوات والحلقات والنقاشات ترى في المقالب الثانوية الأزهرية تمر دون أدنى ذكر وكأنها تحدث في بلاد الواق واق. هذا غير معاملة خريج الثانوية الأزهرية وكأنما قد جاء من الصين؛ فحين يمكن لمن حصل على الثانوية (أو مايعادلها) من خارج مصر معادلة شهادته للإلتحاق بالجامعات المصرية، لا يمكن لخريج الأزهر ذلك!! ناهيك عن أن الكثير من المصرين لم يسمعوا عن التعليم الأزهري أساسا.

وحدث ولا حرج عن مستوي المدرسين في العاهد الأزهرية، فهم في الحقيقة طلبة السبعينات والثمانينات الذين لم يستطيعوا الإلتحاق بالثانوية العامة لضعف مستواهم فالتحقوا بالأزهر، ولأن كل من يدخل الأزهر مصيره للجامعة فقد حشدوهم في كليات التربية والشريعة وأصول الدين ليلتحقوا بالمعاهد الأزهرية فيما بعد كمدرسين لا يفقهون شيئا، وليزيدوا الطين بلة.

بالأساس نظام التعليم الأزهري الحالي نظام أحمق بني على أفكار غبية، يدرسون للطالب المواد التي تدرس في المدارس العامة ويضيفون عليها مواد الشريعة واللغة (وهي مواد كثيرة وليست بالهينة) والغرض من هذا بزعمهم ‘‘تخريج طالب يجمع بين علوم الدنيا والدين’‘، والحقيقة أنه لا يعرف هذا ولا ذاك؛ فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

ولنذهب إلى الجامعة، أين يذهب الطلبة “المتفوقون” (على اعتبار أن من يحصد درجات أكثر هو الأفضل) ؟ يذهبون إلى الكلمات التي تدرس العلوم المدنية (طب، صيدلة، هندسة الخ…. حتى اللغات والترجمة والزراعة) بينما يدرس في الكليات الشرعية واللغة العربية (التى هي أساس الأزهر وعليها ينبني دوره) “سقط المتاع” ممن لا حظ لهم في التعليم، ولم يدخلوها راغبين فيها بل راغبين عنها أجبروا على دخولها لأنهم لا يمكنهم الإلتحاق بغيرها. والنتيجة طالب العلوم الشرعية طالب ناقم حاقد لا يهتم بما يدرس ولا يأبه له، وهؤلاء هم خطباء الأوقاف ودعاة الإسلام الذين يخرجهم الأزهر !!

جزء من مأساة الأزهر ينبع من قانون ‘‘تطوير’’ الأزهر سيء السمعة، فظاهره الرحمة وباطنه العذاب؛ ظاهره تطوير الأزهر لكن الغرض الأساسي منه تهميش دور الأزهر وإبعاده كمؤسسة ذات تأثير في الشارع المصري لقرون ليصبح ألعوبة في يد رئيس الجمهورية ويأمن من أي تأثير مستقبلي للأزهر على الشارع قد يؤدي إلى ما لايريده هو. استولوا على أوقاف الأزهر واخترعوا وزارة الأوقاف ليقضوا على الإستقلال المالي للأزهر وليصبح شيخ الأزهر (وكل من تحته) موظفين لدى الدولة. وبعد أن كانت الدراسة في الأزهر متخصصة في علوم الشريعة، أدخلوا للأزهر ماليس له بحيث رغب طلبته عند دراسة علوم الشريعة وزهدوا فيها. لا أنكر أن الأزهر كان (وما يزال) بحاجة للتطوير، لكن تطوير حقيقي وليس تدمير.

أعتقد أن أفضل حل للأزهر هو إلغاء التعليم الإبتدائي والإعدادي فلا طائل منهما، كما أن الطالب يدخل الأزهر لأن أبواه أرادا ذلك وليس لأنه أظهر ميلا لدراسة العلوم الشرعية مثلا، بينما عند سن التعليم الثانوي سيكون عمره مناسبا ومن السهل تحديد ميوله واتجاهاته. فيكون هناك ثانوي أزهري كما يوجد ثانوي عام وفني وزراعي الخ… ويمكن تحديد شروط/حد أدنى من الدرجات أو أي طريقة أخرى بحيث نضمن أن من سيلتحق بالأزهر أهل لهذه الدراسة.

وتقتصر الدراسة بالأزهر على العلوم الشرعية، ويتم ضم كل الكليات التي لا تنتمي لصميم الدراسة في الأزهر إلى جامعة أخرى (أو حتى جامعة جديدة، لا علاقة لها بالأزهر) بحيث لا يلتحق بالكليات الشرعية إلا من يستحق أن يدرس بها وليس من لا يجد مكانا آخر.

وبالنسبة للأزهر فيجب أن يلغى ذلك القانون المشؤوم وتعاد للأزهر استقلاليته، وتعود سلطات شيخ الأزهر على الجامعة (من المضحك أن شيخ الأزهر لا يكاد يملك سلطة فعلية على الجامعة!، رغم أن هذه وظيفته الأساسية شيخ الجامع الأزهر وليس أي شيء آخر) وتعاد للأزهر أوقافه بحيث يحصل على استقلاليته المالية، وتعاد هيئة كبار العلماء وينتخب شيخ الأزهر من بين أعضائها (كما كان الحال دائما) و.